فصل: سورة النصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة الكوثر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
قوله تعالى: {إنّا أَعْطَيْناك الكَوْثَر} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: أن الكوثر النبوة، قاله عكرمة.
الثاني: القرآن، قاله الحسن.
الثالث: الإسلام، حكاه المغيرة.
الرابع: أنه نهر في الجنة، رواه ابن عمر وأنس مرفوعاً.
الخامس: أنه حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة قاله عطاء.
السادس: أنه الخير الكثير، قاله ابن عباس.
السابع: أنه كثرة أمته، قاله أبو بكر بن عياش.
الثامن: أنه الإيثار، قاله ابن كيسان.
التاسع: أنه رفعة الذكر، وهو فوعل من الكثرة.
{فَصَلِّ لِربِّكَ وانحَرْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصلاة المكتوبة، وهي صلاة الصبح بمزدلفة، قاله مجاهد.
الثاني: صلاة العيد، قاله عطاء.
الثالث: معناه اشكر ربك، قاله عكرمة.
{وانحَرْ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: وانحر هديك أو أضحيتك، قاله ابن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة.
الثاني: وانحر أي وسل، قاله الضحاك.
الثالث: معناه أن يضع اليمين على الشمال عند نحره في الصلاة، قاله عليّ وابن عباس رضي الله عنهما.
الرابع: أن يرفع يديه في التكبير، رواه عليّ.
الخامس: أنه أراد واستقبل القبلة في الصلاة بنحرك، قاله أبو الأحوص ومنه قول الشاعر:
أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ ** وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ

أي المتقابل.
{إنّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ} في شانئك وجهان:
أحدهما: مبغضك، قاله ابن شجرة.
الثاني: عدوّك، قاله ابن عباس.
وفي (الأبتر) خمسة تأويلات:
أحدها: أنه الحقير الذليل، قاله قتادة.
الثاني: معناه الفرد الوحيد، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الذي لا خير فيه حتى صار مثل الأبتر، وهذا قول مأثور الرابع: أن قريشاً كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده، قد بتر فلان فلما مات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه القاسم بمكة، وابراهيم بالمدينة، قالوا بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده، فنزلت الآية، قاله السدي وابن زيد.
الخامس: أن الله تعالى لما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا قريش إلى الإيمان، قالوا ابتتر منا محمد، أي خالفنا وانقطع عنا، فأخبر الله تعالى رسوله أنهم هم المبترون، قاله عكرمة وشهر بن حوشب.
واختلف في المراد من قريش بقوله {إنّ شانئك هو الأبتر} على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه أبو لهب، قاله عطاء.
الثاني: أبو حهل، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه العاص بن وائل، قاله عكرمة، والله أعلم.

.سورة الكافرون:

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
{قُل يا أيُّها الكافِرونَ} الآيات، ذكر محمد بن إسحاق أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد. ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى: {قل يا أيها الكافرون} فصار حرف الأمر في هذه السورة وسورة الإخلاص والمعوذتين متلوّاً، لأنها نزلت جواباً، عنى بالكافرين قوماً معينين، لا جميع الكافرين، لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول فمنهم المذكورون.
{لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدونَ} يعني من الأوثان.
{ولا أنتم عابدون ما أَعْبُدُ} يعني الله تعالى وحده، الآيات.
فإن قيل: ما فائدة هذا التكرار؟
قيل: فيه وجهان: أحدهما: أن قوله في الأول (لا أعبد) و(لا تعبدون) يعني في الحال، وقوله الثاني: يعني في المستقبل، قاله الأخفش.
الثاني: أن الأول في قوله (لا أعبد) و(لا أنتم) الآية يعني في المستقبل، والثاني: إخبار عنه وعنهم في الماضي، فلم يكن ذلك تكراراً لاختلاف المقصود فيهما.
فإن قيل: فلم قال (ما أَعْبُدُ) ولم يقل (من أَعبُدُ)؟
قيل: لأنه مقابل لقوله: {ولا أنا عابد ما عَبَدْتُم} وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا (ما) دون (من) فحمل الثاني على الأول ليتقابل الكلام ولا يتنافى.
{لكم دِينكم ولي دينِ} فيه وجهان:
أحدهما: لكم دينكم الذي تعتقدونه من الكفر، ولي ديني الذي أعتقده من الإسلام، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: لكم جزاء عملكم، ولي جزاء عملي.
وهذا تهديد منه لهم، ومعناه وكفى بجزاء عملي ثواباً، قاله ابن عيسى.
قال ابن عباس: ليس في القرآن سورة أشد لغيظ إبليس من هذه السورة، لأنها توحيد وبراءة من الشرك.

.سورة النصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}
قوله تعالى: {إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والفتحُ} أما النصر فهو المعونة مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها ومنع من قحطها، قال الشاعر:
إذا انسلَخَ الشهرُ الحرامُ فَودِّعي ** بلادَ تميمٍ وانْصُري أرضَ عامِرِ

وفي المعنيّ بهذا النصر قولان:
أحدهما: نصر الرسول على قريش، قاله الطبري.
الثاني: نصره على كل من قاتله من أعدائه، فإن عاقبة النصر كانت له.
وقيل: إذا جاء نصره بإظهاره إياك على أعدائك، والفتح: فتحه مكة وقيل المراد حين نصر الله المؤمنين وفتح مكة وسائر البلاد عليهم. وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزاً للإشعار بأن المقدرات متوجهة حين إلى أوقاتها المعينة لها، فتعرف منها شيئاً فشيئاً، وقد قرب النصر من قوته فكن مترقباً لوروده مستعداً لشكره.
وفي هذا الفتح قولان:
أحدهما: فتح مكة، قاله الحسن ومجاهد.
الثاني: فتح المدائن والقصور، قاله ابن عباس وابن جبير، وقيل ما فتحه عليه من العلوم.
{ورأيْتَ الناسَ يَدْخُلون في دِيْنِ اللهِ أَفْواجاً} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم أهل اليمن، ورورى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين يمانٍ والفقه يمانٍ والحكمة يمانية» وروي عنه عليه السلام أنه قال: «إني لأجد نَفَس ربكم مِن قِبل اليمن» وفيه تأويلان:
أحدهما: أنه الفرج لتتابع إسلامهم أفواجاً.
الثاني: معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه بأهل اليمن، وهم الأنصار.
القول الثاني: أنهم سائر الأمم الذين دخلوا في الإسلام، قاله محمد بن كعب.
وقال الحسن: لما فتح الله على رسوله مكة، قالت العرب بعضهم لبعض: أيها القوم ليس لكم به ولا بالقوم يد، فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً أمة أمة.
قال الضحاك: والأمة أربعون رجلاً، وقال ابن عباس: الأفواج (الزمر)، وقال الكلبي: الأفواج القبائل.
وروى جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون أفواجاً».
(أفواجاً) جماعات كثيفة كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن وقبائل سائر العرب.
(يدخلون) حال، على أن (رأيت) بمعنى أبصرت، أو مفعول ثان على أن رأيت بمعنى علمت.
{فسبّحْ بحْمد ربِّك واسْتَغْفِره إنه كان توّاباً} في أمره بهذا التسبيح والاستغفار وجهان: أحدهما: أنه أراد بالتسبيح الصلاة، قاله ابن عباس، وبالاستغفار مداومة الذكر.
الثاني: أنه أراد صريح التسبيح، الذي هو التنزيه والاستغفار من الذنوب.
روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يكثر أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، فقلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها؟ فقال:
«جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها»
وفي قوله {إنه كان توّاباً} وجهان:
أحدهما: قابل التوبة.
والثاني: متجاوز عن الصغائر.
وفي أمره بهذابعد النصر والفتح وجهان:
أحدهما: ليكون ذلك منه شكراً لله تعالى على نعمه، لأن تجديد النعم يوجب تجديد الشكر.
الثاني: أنه نعى إليه نفسه، ليجد في عمله.
قال ابن عباس: وداعٌ من الله، ووداعٌ من الدنيا، فلم يعش بعدها إلا سنتين مستديماً التسبيح والاستغفار كما أُمِرَ، وكان قد لبث أربعين سنة لم يوح إليه، ورأى رؤيا النبوة سنتين، ومات في شهر ربيع الأول وفيه هاجر.
وقال مقاتل: نزلت هذه السورة بعد فتح الطائف، والفتح فتح مكة، والناس أهل اليمن، وهي آية موت النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت قرأها على أبي بكر وعمر ففرحا بالنصر وبدخول الناس أفواجاً في دين الله عز وجل، وسمعها العباس فبكى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عم؟» فقال: نعيت إليك نفسك، قال: «إنه لكما تقول».
وهذه السورة تسمى التوديع، عاش النبي بعدها حولاً على قول مقاتل، وحولين على قول ابن عباس، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قابل، فنزل {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية، فعاش بعدها ثمانين يوماً، ثم نزلت {لقد جاءكم رسول} فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً، ثم نزلت {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} فعاش بعدها واحداً وعشرين يوماً.
وقال مقاتل: عاش بعدها سبعة أيام، والله أعلم وصلوات الله عليه متتابعة لا تنقطع على مر الأزمان وكر الأوان، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

.سورة المسد:

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
قوله تعالى: {تبّتْ يدا أبي لهب} اختلف في سبب نزولها في أبي لهب على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أُعطَى إن آمنتُ بك يا محمد؟ قال: ما يعطَى المسلمون، قال: ما عليهم فضل؟ قال: وأي شيء تبتغي؟ قال: تبَّا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله فيه: {تبت يدا أبي لهب}.
الثاني: ما رواه ابن عباس أنه لما نزل {وأنذر عشيرتك الأقربين} أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليها، ثم نادى يا صباحاه! فاجتمع الناس إليه، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟! فأنزل الله تعالى هذه السورة.
الثالث: ما حكاه عبد الرحمن بن كيسان أنه كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفْدٌ انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون: أنت أعلم به، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه ولا يلقونه، فأتاه وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبّاً له وتعساً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاكتأب له، فأنزل الله تعالى (تَبّتْ) السورة، وفي (تبّتْ) خمسة أوجه:
أحدها: خابت، قاله ابن عباس.
الثاني: ضلّت، وهو قول عطاء.
الثالث: هلكت، قاله ابن جبير.
الرابع: صفِرت من كل خير، قاله يمان بن رئاب.
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان بن عفان سمع الناس هاتفاً يقول:
لقد خلّوْك وانصدعوا ** فما آبوا ولا رجعوا

ولم يوفوا بنذرِهمُ ** فيا تبَّا لما صَعنوا

والخامس: خسرت، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي ** بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً

وفي قوله {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وجهان:
أحدهما: يعني نفس أبي لهب، وقد يعبر عن النفس باليد كما قال تعالى: {ذلك بما قدمت يداك} أي نفسك.
الثاني: أي عمل أبي لهب، وإنما نسب العمل إلى اليد لأنه في الأكثر يكون بها.
وقيل إنه كني أبا لهب لحُسنه وتلهّب وجنته، وفي ذكر الله له بكنيته دون اسمه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه.
الثاني: لأنه كان مسمى بعبد هشم، وقيل إنه عبد العزى فلذلك عدل عنه.
الثالث: لأن الاسم أشرف من الكنية، لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره، ولذلك دعا الله أنبياءه بأسمائهم.
وفي قوله {وتَبَّ} أربعة أوجه:
أحدها: أنه تأكيد للأول من قوله {تبت يدا أبي لهب} فقال بعده (وتب) تأكيداً.
الثاني: يعني تبت يدا أبي لهب بما منعه الله تعالى من أذى لرسوله، وتب بما له عند الله من أليم عقابه.
الثالث: يعني قد تبّ، قاله ابن عباس.
الرابع: يعني وتبّ ولد أبي لهب، قاله مجاهد.
وفي قراءة ابن مسعود: تبت يدا أبي لهبٍ وقد تب، جعله خبراً، وهي على قراءة غيره تكون دعاء كالأول.
وفيما تبت عنه يدا أبي لهب وجهان:
أحدهما: عن التوحيد، قاله ابن عباس.
الثاني: عن الخيرات، قاله مجاهد.
{ما أَغْنَى عَنْه مالُه وما كَسَب} في قوله {ما أغنى عنه} وجهان:
أحدهما: ما دفع عنه.
الثاني: ما نفعه، قاله الضحاك.
وفي {مالُه} وجهان:
أحدهما: أنه أراد أغنامه، لأنه كان صاحب سائمة، قاله أبو العالية.
الثاني: أنه أراد تليده وطارفه، والتليد: الموروث، والطارف: المكتسب.
وفي قوله {وما كَسَبَ} وجهان:
أحدهما: عمله الخبيث، قاله الضحاك.
الثاني: ولده، قاله ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أولادكم من كسبكم»
وكان ولده عتبة بن أبي لهب مبالغاً في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، فقال حين نزلت {والنجم إذا هوى} كفرت بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك» فأكله الأسد.
وفيما لم يغن عنه ماله وما كسب وجهان:
أحدهما: في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في دفع النار عنه يوم القيامة.
{سَيَصْلَى ناراً ذاتَ لَهَبٍ} في سين سيصلى وجهان:
أحدهما: أنه سين سوف.
الثاني: سين الوعيد، كقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} و{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا} وفي {يَصْلًى} وجهان:
أحدهما: صلي النار، أي حطباً ووقوداً، قاله ابن كيسان.
الثاني: يعني تُصليه النار، أي تنضجه، وهو معنى قول ابن عباس، فيكون على الوجه الأول صفة له في النار، وعلى الوجه الثاني صفة للنار.
وفي {ناراً ذاتَ لَهَبٍ} وجهان:
أحدهما: ذات ارتفاع وقوة واشتعال، فوصف ناره ذات اللهب بقوتها، لأن قوة النار تكون مع بقاء لهبها.
الثاني: ما في هذه الصفة من مضارعة كنيته التي كانت من نذره ووعيده.
وهذه الآية تشتمل على امرين:
أحدهما: وعيد من الله حق عليه بكفره.
الثاني: إخبار منه تعالى بأنه سيموت على كفره، وكان خبره صدقاً، ووعيده حقاً.
{وامرأتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ} وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.
وفي {حمالة الحطب} أربعة أوجه: أحدها: أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، فكان يحتطب فعيرت بأنها كانت تحتطب، قاله قتادة.
الثالث: أنها كانت تحتطب الكلام وتمشي بالنميمة، قاله الحسن والسدي فسمي الماشي بالنميمة حمال الحطب لأنه يشعل العداوة كما تشعل النار الحطب، قال الشاعر:
إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو الحَطَبْ ** هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ.

عليهمُ اللعْنةُ تَتْرى والحرَبْ. **

وقال آخر:
مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ ** ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ.

الرابع: أنه أراد ما حملته من الآثام في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كالحطب في مصيره إلى النار.
{في جِيدِها حَبْل مِنْ مَسَدِ} جيدها: عنقها.
وفي {حبل من مسد} سبعة أقاويل:
أحدها: أنه سلسلة من حديد، قاله عروة بن الزبير، وهي التي قال الله تعالى فيها: {ذرعها سبعون ذراعاً} قال الحسن: سميت السلسلة مسداً لأنها ممسودة، أي مفتولة.
الثاني: أنه حبل من ليف النخل، قاله الشعبي، ومن قول الشاعر:
أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني ** إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.

الثالث: أنها قلادة من ودع، على وجه التعيير لها، قاله قتادة.
الرابع: أنه حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها، قاله الحسن، ذكرت به على وجه التعيير أيضاً.
الخامس: أنها قلادة من جوهر فاخر، قالت لأنفقنها في عداوة محمد، ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة.
السادس: أنه إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.
السابع: أنه لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى بها.
روى الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر أنه لما نزلت (تبت يدا) في أبي لهب وامرأته أم جميل أقبلت ولها ولولة وفي يدها قهر وهي تقول:
مُذَمَّماً عَصَيْنَا **

وأَمْرَهُ أَبَيْنا

ودِينَه قَلَيْنا. **

ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً} فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مذمم، وانصرفت.